صوت السياسيات في إقليم كردستان يرتفع دعماً للسلام والتعايش
النساء الكرديات يقدن نضالاً مستمراً من أجل السلام في جميع أجزاء كردستان، رغم التحديات السياسية والعسكرية، ويُعد مشروع القائد أوجلان للسلام محوراً رئيسياً، تدعمه جهود نسائية من الجبال إلى السجون ومن السلاح إلى الحوار.
هيلين أحمد
السليمانية ـ استجابةً لنداء القائد عبد الله أوجلان في 27 شباط/فبراير الماضي و9 تموز/يوليو الجاري، أعلن فريق السلام والمجتمع الديمقراطي، تخليه عن السلاح تعبيراً عن التزامه بخيار السلام، وجاء ذلك خلال مراسم رسمية أُقيمت في 11 من الشهر الجاري داخل كهف جاسنة بمدينة السليمانية.
يُعد تخلي فريق السلام والمجتمع الديمقراطي عن السلاح نقطة الانطلاق الجوهرية لعملية السلام التي بادر بها القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني (PKK). فقد شكّلت هذه الخطوة التاريخية مصدر إلهام عالمي، حيث لاقت ترحيباً واسعاً من قبل دعاة السلام، والسياسيين، والمثقفين، والكتّاب، والجماهير، الذين رأوا فيها بارقة أمل قد تفتح الطريق أمام الدولة التركية للاستجابة لدعوة السلام.
القائد أوجلان، من جانبه، دعا إلى تحويل الكفاح المسلح إلى نضال سياسي، وهو ما دفع حزب العمال الكردستاني إلى إعلان تخليه عن السلاح، في خطوة تعبّر عن استعداد حقيقي للانتقال إلى مرحلة جديدة، وبناءً على ذلك، بات من الضروري أن تتخذ تركيا خطوات قانونية ملموسة، في ظل ترقّب شعبي واسع لمستقبل عملية السلام.
وفي هذا السياق، يُطرح تساؤل مهم، ما الدور الذي لعبته النساء، والشعب الكردي، والأحزاب الكردية، لا سيما في إقليم كردستان، في إطلاق هذه العملية؟ وفي المرحلة الراهنة التي تشهد انتظاراً لخطوات جديدة، ما هو الدور الذي يمكن أن تضطلع به النساء؟ وكيف يُقيّمن خطوة إحراق الأسلحة، والمسؤولية الملقاة على عاتق الدولة التركية لإحداث تغيير سياسي في شمال كردستان وداخل تركيا؟
الكرد من الكفاح المسلح إلى مشروع السلام
في خطوة تاريخية تعبّر عن تحوّل جذري في مسار النضال الكردي، أعلن الكرد في المنطقة، بقيادة القائد أوجلان، حملهم للسلاح ليس من أجل الحرب، بل من أجل انتزاع قضية السلام، وقد أكدت النائبة شلير شهيد غفور، عضو الدورة السادسة في برلمان إقليم كردستان عن قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني، أن شمال كردستان والشرق الأوسط بأسره يعيشان اليوم لحظة فارقة تتطلب معالجة جذرية لقضية السلام، من أجل بناء مستقبل خالٍ من الحروب والصراعات.
وأشارت إلى أن السياسات القمعية التي تنتهجها الدولة التركية تجاه الشعب الكردي لن تُفضي إلى النجاح، وأن الحل الحقيقي يكمن في الاعتراف بالحقوق الكردية داخل تركيا، فالشعب الكردي، كما تقول، تعرض على مدى عقود لهجمات وإبادة جماعية من قبل الدول المجاورة، وعلى وجه الخصوص من قبل الدولة التركية التي واصلت عملياتها العسكرية والاحتلالية ضد إقليم كردستان، ففي تركيا وشمال كردستان، لا يزال الكرد محرومين من الاعتراف الرسمي، ويُمنعون من التحدث أو تلقي تعليمهم بلغتهم.
وأضافت "من هنا، جاء حمل السلاح بقيادة القائد أوجلان كوسيلة لانتزاع الحقوق وتحقيق السلام، وليس كدعوة للحرب، كما قدّم مشروعاً متكاملاً للسلام، موجّهاً إلى الدولة التركية وإلى شعوب الشرق الأوسط كافة، واليوم، بات من الضروري أن يتحول النضال الكردي إلى مسار ديمقراطي وحواري، بعيداً عن السلاح".
ولفتت إلى أنه "في هذا السياق، تؤكد القوى السياسية في إقليم كردستان دعمها الكامل وتنسيقها المستمر مع مشروع السلام، وقد شكّلت عملية إحراق الأسلحة في مدينة السليمانية دليلاً حيّاً على التزام إقليم كردستان بخيار السلام، إذ أعلن مقاتلو حزب العمال الكردستاني، من خلال هذه الخطوة، استعدادهم الكامل للتخلي عن السلاح والانخراط في العملية السياسية".
وأفادت أن "الأنظار الآن تتجه نحو الدولة التركية، التي يُنتظر منها أن تستجيب لهذه المبادرة التاريخية، وأن تشرع في تنفيذ الخطوات التي اقترحها القائد أوجلان من أجل السلام، وفي هذا الإطار، تؤكد نساء كردستان، وخصوصاً البرلمانيات في إقليم كردستان، أنهن عقدن العديد من الاجتماعات والمبادرات في أجزاء مختلفة من كردستان، وأنهن يحملن تطلعات كبيرة لدعم عملية السلام".
وشددت على أن "نساء الأطراف السياسية في إقليم كردستان، لا سيما نساء الاتحاد الوطني الكردستاني، تجددن دعمهن الكامل وتنسيقهن المستمر مع مشروع السلام، مؤكدات أن الهدف الأسمى هو أن يعيش الكرد في شمال كردستان وتركيا حياة كريمة قائمة على الحقوق، السلام، والتعايش، كما تدعن جميع شعوب الشرق الأوسط إلى اتخاذ خطوات جدية نحو ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة".
"نضال القائد أوجلان والحزب من الجبال إلى مشروع السلام"
بدورها، قالت تالار محمد، مسؤولة المراكز الأكاديمية التابعة للفرع الرابع في الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن نضال ومعاناة القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني على مدى سنوات طويلة بدأت تؤتي ثمارها، مشيرةً إلى أن جهودهما لم تقتصر على القضية الكردية داخل تركيا، بل امتدت لتشمل مشروعاً للسلام في عموم الشرق الأوسط.
وأضافت أن التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية كانت انعكاساً لرؤية القائد أوجلان، الذي قدّم مقترحات استراتيجية للدولة التركية، تهدف إلى إنهاء الصراع وتحقيق العدالة للكرد، ومن أبرز هذه التحولات، الانتقال من الكفاح المسلح في الجبال إلى النضال السياسي في المدن، بقيادته، وهو ما مكّن الكرد من تحقيق مكاسب ملموسة، أبرزها التمثيل البرلماني والاعتراف التدريجي بحقوقهم.
وأكدت تالار محمد أن الأطراف السياسية في إقليم كردستان أعلنت دعمها الكامل وتنسيقها المستمر مع هذه العملية، معتبرةً أن تخلي الكرد عن السلاح يُعد إعلاناً صريحاً عن استعدادهم للسلام، وفي المقابل، بات من الضروري أن تبادر الدولة التركية إلى الاعتراف بوجود الكرد في شمال كردستان وداخل تركيا، وأن تتخذ خطوات ملموسة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم القائد عبد الله أوجلان، باعتبار أن الإفراج عنه يمثل شرطاً أساسياً لترسيخ السلام وإنهاء العمل المسلح.
كما أشارت إلى أن نضال حزب العمال الكردستاني من أجل تمكين المرأة في العمل السياسي ترك أثراً بالغاً في الأطراف السياسية بإقليم كردستان، حيث أصبحت النساء اليوم فاعلات أساسيات في المشهد السياسي، ويواصلن نضالهن من أجل ترسيخ السلام والديمقراطية.
واختتمت تالار محمد حديثها بالقول "نحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني نؤمن بأهمية توحيد جهود النساء في جميع أجزاء كردستان، ونعمل على تعزيز دورهن في العملية السياسية، من أجل بناء مستقبل قائم على السلام، العدالة، والمساواة".
"المبادرة خطوة تاريخية في مسيرة الشعب الكردي"
من جانبها، وصفت سبرية غفار أمين، عضو الدورة الثانية في برلمان إقليم كردستان عن قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والمسؤولة عن مكتب شؤون النساء في الحزب، مبادرة القائد عبد الله أوجلان بشأن السلام والتخلي عن السلاح من قبل المقاتلين بأنها خطوة مفصلية وتاريخية في مسيرة الشعب الكردي.
وأكدت أن طرح قضية السلام من قبل القائد أوجلان يمثل تحولاً جوهرياً، حيث لم يعد الكفاح المسلح السبيل الوحيد لنيل الحقوق، بل بات الحوار السياسي هو الطريق نحو تحقيق السلام في عموم أجزاء كردستان، مضيفةً أن "الشعب الكردي، خاصة حزب العمال الكردستاني، خاض نضالاً مسلحاً طويلاً من أجل الوصول إلى السلام، واليوم حان الوقت لمدّ يد الحوار إلى الدولة التركية، من أجل انتزاع الحقوق الكردية في شمال كردستان وداخل تركيا".
وترى أن الخطوات التي اتخذها الكرد حتى الآن نحو السلام تبعث على التفاؤل، مشيرةً إلى أن القضية الكردية مترابطة في جميع أجزاء كردستان، وأن الكرد لطالما طالبوا بالسلام رغم اضطرارهم لحمل السلاح وخوض الحروب، مشددةً على ضرورة أن تُحل القضية الكردية على طاولة الحوار، خاصة في ظل وجود كرد في سوريا، وإيران، وشمال وجنوب كردستان.
وأوضحت أن مبادرة القائد عبد الله أوجلان، واستعداد المقاتلين للتخلي عن السلاح، واستجابة الدولة التركية للعملية، كلها عوامل تعزز فرص نجاح مشروع السلام والوحدة، مضيفةً أن الشعب الكردي يدرك أن القائد أوجلان قدّم رؤية سياسية عميقة ومدروسة، وأن مبادرته ليست مجرد طرح عابر، بل مشروع حقيقي لبناء مستقبل أفضل.
واختتمت حديثها بالقول "نأمل في نجاح هذه العملية، وهدفنا هو تحقيق وجود كردي حر في شمال كردستان وتركيا، وقضية السلام تمثل أملاً كبيراً للكرد في كل جزء من كردستان، ولهذا فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني، خاصة النساء فيه، يواصلون دعمهم وتنسيقهم المستمر من أجل إنجاح هذه القضية".
"النساء في قلب مسيرة السلام الكردية"
وأكدت بيام محمد، عضوة الدورة الثانية في برلمان كردستان عن قائمة حركة التغيير، أن قضية السلام تمثل أولوية ملحة للشعب الكردي، مشيرةً إلى أن حزب العمال الكردستاني، من خلال إحراق أسلحته، وجّه رسالة واضحة إلى تركيا والعالم مفادها أن الكرد اختاروا طريق السلام بدلاً من الصراع، مضيفةً أن هذه الخطوة جاءت في سياق مبادرة شاملة تهدف إلى ترسيخ السلام في الشرق الأوسط، حيث يطالب الكرد في شمال كردستان بحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها التحدث بلغتهم والعيش بكرامة وفق هويتهم القومية.
وأوضحت أن السياسات التركية التوسعية لم تقتصر على شمال كردستان، بل امتدت لتطال أجزاء أخرى من كردستان، بما فيها إقليم كردستان، حيث لا تزال الهجمات العسكرية تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين، وتدمير القرى والبيئة، وتُخلّف خسائر بشرية ومادية جسيمة.
وترى أن مبادرة السلام التي أطلقها القائد أوجلان تُعد خطوة مفصلية نحو تحقيق الحقوق الكردية، ليس فقط في تركيا، بل في عموم أجزاء كردستان، مشددةً على أن استقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار الاعتداءات، وأن مشروع السلام هو السبيل الوحيد لإنهاء هذه الهجمات، فكل الأطراف في إقليم كردستان تترقب هذا التحول، لأن التنمية والتقدم لا يمكن أن يزدهراً في بيئة يسودها العنف.
وفي هذا السياق، سلطت بيام محمد الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه النساء في دعم قضية السلام، مؤكدةً أنهن لم يكنّ مجرد داعمات، بل فاعلات أساسيات في مسيرة النضال المدني، فرغم أن نساء المدن لم يحملن السلاح كما فعلت مقاتلات حزب العمال الكردستاني، إلا أنهن واصلن نضالهن السلمي من أجل ترسيخ السلام والوحدة، وسعين لتحويل ساحات النزاع إلى فضاءات للحوار.
ولفتت إلى أن السنوات الماضية شهدت مبادرات نسوية بارزة، من بينها المسيرات التي نظّمتها نساء إقليم كردستان من السليمانية إلى أربيل، والتي عبّرت عن رغبة حقيقية في تحقيق السلام الداخلي، كما أن نساء إقليم شمال وشرق سوريا ومقاتلات حزب العمال الكردستاني قدّمن نموذجاً عالمياً في النضال النسوي، حيث شاركت مجموعة منهن في مراسم إحراق السلاح، في مشهد جسّد صدق التزام النساء بقضية السلام.
واختتمت بيام محمد بالقول إن نساء إقليم كردستان سيواصلن رفع راية السلام، وسيبقين داعمات أساسيات لكل خطوة تُسهم في إنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار في كردستان والمنطقة بأسرها.
"الكرديات في طليعة النضال من أجل السلام"
في ذات السياق، أكدت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، دلسوز شفيق خلف، أن النساء الكرديات يواجهن تحديات جسيمة في مختلف أجزاء كردستان، إلا أنهن يواصلن جهودهن الحثيثة لترسيخ السلام، خاصة داخل الأطر السياسية.
وأشارت إلى أن الشعب الكردي لم يتوقف عن السعي نحو السلام، رغم استمرار الهجمات التي تشنها الدولة التركية، فالكرد، رغم المعاناة، يمدّون يدهم للسلام، ويؤمنون بإمكانية تحقيقه، مضيفةً القائد أوجلان قدّم مشروعاً متكاملاً للسلام في الشرق الأوسط، لكن السياسات التركية التاريخية خلّفت آثاراً نفسية عميقة لدى الكرد، وأثرت على نظرتهم لقضية السلام، خاصة في إقليم كردستان، حيث يعيشون حالة من التردد والشك.
وأوضحت أن وجود مشروع السلام وثقة الشعب بأوجلان تفوق تلك المخاوف، وقد عبّر مقاتلو حزب العمال الكردستاني عن التزامهم بالسلام من خلال إحراق أسلحتهم، في خطوة رمزية تعبّر عن صدق نواياهم، لكن تركيا حتى الآن لم تبادر بخطوة مماثلة، ولم تُظهر التزاماً حقيقياً يعادل ما قدمه المقاتلون، مما يجعل تحقيق السلام بحاجة إلى تنسيق شامل بين جميع أجزاء كردستان، لضمان حقوق الكرد بما يتماشى مع الرؤية التي طرحها القائد أوجلان.
وشددت دلسوز شفيق خلف على أن النساء الكرديات كنّ دائماً في طليعة النضال من أجل السلام، ففي الجبال، كانت مقاتلات الكريلا مثالاً للثبات، وفي إقليم شمال وشرق سوريا حملت النساء السلاح دفاعاً عن حقوقهن، بينما خاضت نساء إقليم كردستان معارك سياسية ومدنية، وواصلت نساء شرق كردستان نضالهن رغم ما يتعرضن له من عقوبات قاسية داخل السجون.
واختتمت بالقول إن النساء اليوم يقدن جهوداً حقيقية نحو السلام، وأن نساء القوى السياسية داخل أحزابهن يعملن بجد من أجل دعم هذه القضية، وتحقيق مستقبل قائم على الحوار والعدالة.